كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ} [30].
يقول: من يمنعنى من اللّه. وكذلك كلّ ما كان في القرآن منه فالنصر على جهة المنع.
وقوله: {فَعَلَيَّ إِجْرامِي} [35].
يقول: فعليّ إثمى. وجاء في التفسير فعليّ آثامي، فلو قرئت: أجرامى على التفسير كان صوابا.
وأنشدنى أبو الجراح:
لا تجعلونى كذوى الأجرام ** الدّهمسيّين ذوى ضرغام

فجمع الجرم أجراما. ومثل ذلك {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ} و{أسرارهم} وقد قرئ بهما. ومنه {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ} و{أدبار السّجود} فمن قال: {إدبار} أراد المصدر. ومن قال: {أسرار} أراد جمع السّر.
وقوله: {فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ} [36] يقول: (لا تستكن ولا تحزن).
وقوله: {بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا} [37] كقوله: {ارْجِعُونِ} يخرج على الجمع ومعناه واحد على ما فسّرت لك من قوله: {بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ} لنوح وحده، و{عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ}.
وقوله: {وَفارَ التَّنُّورُ} [40] هو تنّور الخابر: إذا فار الماء من أحرّ مكان في دارك فهى آية العذاب فأسر بأهلك. وقوله: {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} والذكر والأنثى من كل نوع زوجان. وقوله: {وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} حمل معه امرأة له سوى التي هلكت، وثلاثة بنين ونسوتهم، وثمانين إنسانا سوى ذلك. فذلك قوله: {وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} و(الثمانون) هو القليل.
وقوله: {وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ} [41] إن شئت جعلت {مجراها ومرساها} في موضع رفع بالياء كما تقول: إجراؤها وإرساؤها بسم اللّه وبأمر اللّه. وإن شئت جعلت {بِسْمِ اللَّهِ} ابتداء مكتفيا بنفسه، كقول القائل عند الذبيحة أو عند ابتداء المأكل وشبهه: بسم اللّه ويكون {مجريها ومرسيها} في موضع نصب يريد بسم اللّه في مجراها وفي مرساها. وسمعت العرب تقول: الحمد للّه سرارك وإهلالك، وسمع منهم الحمد للّه ما إهلالك إلى سرارك يريدون ما بين إهلالك إلى سرارك.
والمجرى والمرسى ترفع ميميهما قرأ بذلك إبراهيم النخعىّ والحسن وأهل المدينة. حدّثنا محمد قال: حدّثنا الفراء قال: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق أنه قرأها {مَجْراها} بفتح الميم و{مرسها} بضم الميم. قال: وحدّثنا الفراء قال حدثنا أبو معاوية وغيره عن الأعمش عن رجل قد سمّاه عن عرفجة أنه سمع عبد اللّه بن مسعود قرأها {مجراها} بفتح الميم ورفع الميم من مرسيها.
وقرأ مجاهد {مجريها ومرسيها} يجعله من صفات اللّه عزّ وجلّ، فيكون في موضع خفض في الإعراب لأنه معرفة. ويكون نصبا لأن مثله قد يكون نكرة لحسن الألف واللام فيهما ألا ترى أنك تقول في الكلام: بسم اللّه المجريها والمرساها. فإذا نزعت منه الألف واللام نصبته. ويدلّك على نكرته قوله: {هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا} وقوله: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} فأضافوه إلى معرفة، وجعلوه نعتا لنكرة. وقال الشاعر:
يا ربّ عابطنا لو كان يأملكم ** لا قى مباعدة منكم وحرمانا

وقال الآخر:
ويا رب هاجى منقر يبتغى ** به ليكرم لمّا أعوزته المكارم

وسمع الكسائىّ أعرابيّا يقول بعد الفطر: ربّ صائمه لن يصومه وقائمه لن يقومه.
وقوله: {سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ} [43] {قالَ} نوح عليه السلام {لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} فمن في موضع نصب لأن المعصوم خلاف للعاصم والمرحوم معصوم. فكأنه نصبه بمنزلة قوله: {ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ} ومن استجاز رفع الاتباع أو الرفع في قوله:
وبلد ليس به أنيس ** إلّا اليعافير وإلّا العيس

لم يجزله الرفع في {من} لأن الذي قال: {إلّا اليعافير} جعل أنيس البرّ اليعافير والوحوش، وكذلك قوله: {إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ} يقول: علمهم ظنّ وأنت لا يجوز لك في وجه أن تقول: المعصوم عاصم.
ولكن لو جعلت العاصم في تأويل معصوم كأنك قلت: لا معصوم اليوم من أمر اللّه لجاز رفع (من) ولا تنكرنّ أن يخرج المفعول على فاعل ألا ترى قوله: {مِنْ ماءٍ دافِقٍ} فمعناه واللّه أعلم: مدفوق.
وقوله: {فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ} معناها مرضيّة، وقال الشاعر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى

معناه المكسوّ. تستدلّ على ذلك أنك تقول: رضيت هذه المعيشة ولا تقول: رضيت ودفق الماء ولا تقول: دفق، وتقول كسى العريان ولا تقول: كسا. ويقرأ: {إلّا من رحم} أيضا.
ولو قيل لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلّا من رحم كأنّك قلت: لا يعصم اللّه اليوم إلّا من رحم ولم نسمع أحدا قرأ به.
وقوله: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [44] وهو جبل بحضنين من أرض الموصل ياؤه مشدّدة وقد حدّثت أنّ بعض القراء قرأ: {على الجودي} بإرسال الياء. فإن تكن صحيحة فهى مما كثر به الكلام عند أهله فخفّف، أو يكون قد سمّى بفعل أنثى مثل حطىّ وأصرّى وصرّى، ثم أدخلت عليه الألف واللام. أنشدنى بعضهم- وهو المفضّل-:
وكفرت قوما هم هدوك لأقدمى ** إذ كان زجر أبيك سأسأ واربق

وأنشدنى بعض بنى أسد:
لمّا رأيت أنها في حطّى ** وفتكت في كذبى ولطّى

والعرب إذا جعلت مثل حطّى وأشباهه اسما فأرادوا أن يغيّروه عن مذهب الفعل حوّلوا الياء ألفا فقالوا: حطّا، أصرّا، وصرّا. وكذلك ما كان من أسماء العجم آخره ياء مثل ماهى وشاهى وشنىّ حوّلوه إلى ألف فقالوا: ماها وشاها وشنّا. وأنشدنا بعضهم:
أتانا حماس بابن ماها يسوقه ** لتبغيه خيرا وليس بفاعل

{وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ} أي حال بين ابن نوح وبين الجبل الماء.
وقوله: {يا أَرْضُ ابْلَعِي} يقال بلعت وبلعت.
وقوله: {يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [46] الذي وعدتك أن أنجيهم ثم قال عزّ وجلّ: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ} (وعامّة القراء عليه) حدّثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: وحدّثنى حبّان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس بذلك يقول: سؤالك إيّاى ما ليس لك به علم عمل غير صالح. وعامّة القراء عليه. (حدثنا الفرّاء) قال: وحدثنى أبو اسحق الشيبانىّ قال حدثنى أبو روق عن محمد بن حجادة عن أبيه عن عائشة قالت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقرأ: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ} (حدثنا الفراء) قال وحدثنى ابن أبى يحيى عن رجل قد سمّاه قال، لا أراه إلا ثابتا البنانىّ عن شهر بن حوشب عن أمّ سلمة قالت: قلت يا رسول اللّه: كيف أقرؤها؟ قال: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ} وقوله: {فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ويقرأ: تسألنّى بإثبات الياء وتشديد النون ويجوز أن تقرأ: {فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ} بنصب النون، ولا توقعها إلّا على {ما} وليس فيها ياء في الكتاب والقراء قد اختلفوا فيما يكون في آخره الياء وتحذف في الكتاب: فبعضهم يثبتها، وبعضهم يلقيها من ذلك {أَكْرَمَنِ} و{أَهانَنِ} (فما آتان اللّه) وهو كثير في القرآن.
وقوله: {بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} [48] يعنى ذرّيّة من معه من أهل السعادة. ثم قال: {وَأُمَمٌ} من أهل الشقاء {سَنُمَتِّعُهُمْ} ولو كانت {وأمما سنمتّعهم} نصبا لجاز توقع عليهم {سَنُمَتِّعُهُمْ} كما قال: {فَرِيقًا هَدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ}.
وقوله: {تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ} [49] يصلح مكانها {ذلك} مثل قوله: {ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} والعرب تفعل هذا في مصادر الفعل إذا لم يذكر مثل قولك: قد قدم فلان، فيقول الآخر: قد فرحت بها وبه. فمن أنّث ذهب بها إلى القدمة، ومن ذكّر ذهب إلى القدوم. وهو مثل قوله: {ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا}.
وقوله: {ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ} يقول: لم يكن علم نوح والأمم بعده من علمك ولا علم قومك {مِنْ قَبْلِ هذا} يعنى القرآن. وقوله: {يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرارًا} [52] يقول: يجعلها تدرّ عليكم عند الحاجة إلى المطر، لا أن تدرّ ليلا ونهارا. وقوله: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ} ذكروا أنه كان انقطع عنهم الولد ثلاث سنين. وقال: {قُوَّةً} لأن الولد والمال قوة.
وقوله: {إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ} [54] كذّبوه ثم جعلوه مختلطا وادّعوا أنّ آلهتهم هى التي خبلته لعيبه آلهتهم. فهنالك قال: إنى أشهد اللّه وأشهدكم أنى برئ منها.
وقوله: {وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} [57] رفع: لأنه جاء بعد الفاء. ولو جزم كان كما قال: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} كان صوابا. وفي قراءة عبد اللّه {ولا تنقصوه} جزما.
ومعنى لا تضرّوه يقول: هلاككم إذا أهلككم لا ينقصه شيئا.
و{عاد} مجرى في كل القرآن لم يختلف فيه. وقد يترك إجراؤه، يجعل اسما للأمّة التي هو منها، كما قال الشاعر:
أحقّا عباد اللّه جرأة محلق ** علىّ وقد أعييت عاد وتبّعا

وسمع الكسائىّ بعض العرب يقول: إن عاد وتبّع أمّتان.
وقوله: {وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحًا} [64].
نصبت صالحا وهودا وما كان على هذا اللفظ بإضمار {أرسلنا}.
وقد اختلف القراء في ثمود فمنهم من أجراه في كلّ حال. ومنهم من لم يجره في حال.
حدّثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: حدّثنى قيس عن أبى إسحق عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخمىّ عن أبيه أنه كان لا يجرى ثمود في شئ من القرآن فقرأ بذلك حمزة ومنهم من أجرى ثمود في النصب لأنها مكتوبة بالألف في كل القرآن إلا في موضع واحد {وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} فأخذ بذلك الكسائىّ فأجراها في النصب ولم يجرها في الخفض ولا في الرفع إلّا في حرف واحد: قوله: {أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ} فسألوه عن ذلك فقال: قرئت في الخفض من المجرى وقبيح أن يجتمع الحرف مرتين في موضعين ثم يختلف، فأجريته لقربه منه.
وقوله: {كَفَرُوا رَبَّهُمْ} [68] جاء في التفسير: كفروا نعمة ربهم. والعرب تقول: كفرتك.
وكفرت بك، وشكرتك وشكرت بك وشكرت لك. وقال الكسائىّ: سمعت العرب تقول: شكرت باللّه كقولهم: كفرت باللّه.
وقوله: {فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} [63] يقول: فما تزيدوننى غير تخسير لكم وتضليل لكم، أي كلّما اعتذرتم بشئ هو يزيدكم تخسيرا. وليس غير تخسير لى أنا. وهو كقولك للرجل ما تزيدنى إلّا غضبا أي غضبا عليك.
وقوله: {سَلامًا قالَ سَلامٌ} [69] قرأها يحيى ابن وثّاب وإبراهيم النخعىّ. وذكر عن النبي صلى اللّه عليه وسلّم أنه قرأ بها. وهو في المعنى سلام كما قالوا حلّ وحلال، وحرم وحرام لأن التفسير جاء: سلّموا عليه فردّ عليهم. فترى أن معنى سلّم وسلام واحد واللّه أعلم. وأنشدنى بعض العرب:
مررنا فقلنا إيه سلّم فسلّمت ** كما اكتلّ بالبرق الغمام اللوائح

فهذا دليل على أنهم سلّموا فردّت عليهم. وقرأه العامّة: {قالوا سلاما قال سلام} نصب الأول ورفع الثاني. ولو كانا جميعا رفعا ونصبا كان صوابا. فمن رفع أضمر {عليكم} وإن لم يظهرها كما قال الشاعر:
فقلنا السلام فاتّقت من أميرها ** فما كان إلّا ومؤها بالحواجب

والعرب تقول: التقينا فقلنا: سلام سلام. وحجّة أخرى في رفعه الآخر أن القوم سلّموا، فقال حين أنكرهم: هو سلام إن شاء اللّه فمن أنتم لإنكاره إيّاهم. وهو وجه حسن. ويقال في هذا المعنى: نحن سلّم لأن التسليم لا يكون من قوم عدوّ. وقوله: {فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} أن في موضع نصب توقع {لبث} عليها، كأنّك قلت: فما أبطأ عن مجيئه بعجل: فلمّا ألقيت الصفة وقع الفعل عليها. وقد تكون رفعا تجعل لبث فعلا لأن كأنك قلت فما أبطأ مجيئه بعجل حنيذ: والحنيذ: ما حفرت له في الأرض ثم غممته. وهو من فعل أهل البادية معروف. وهو محنوذ في الأصل فقيل: حنيذ، كما قيل: طبيخ للمطبوخ، وقتيل للمقتول.
وقوله: {فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ} [70] أي إلى الطعام. وذلك أنها كانت سنّة في زمانهم إذا ورد عليهم القوم فأتوا بالطعام فلم يمسّوه ظنّوا أنّهم عدوّ أو لصوص. فهناك أوجس في نفسه خيفة فرأوا ذلك في وجهه، فقالوا: لا تخف، فضحكت عند ذلك امرأته وكانت قائمة وهو قاعد وكذلك هى في قراءة عبد اللّه: {وامرأته قائمة وهو قاعد} مثبتة فضحكت فبشرت بعد الضحك. وإنما ضحكت سرورا بالأمن فأتبعوها البشرى بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب.
وقد يقول بعض المفسّرين: هذا مقدّم ومؤخّر. والمعنى فيه: فبشّرناها بإسحاق فضحكت بعد البشارة وهو ممّا قد يحتمله الكلام واللّه أعلم بصوابه. وأما قوله: {فَضَحِكَتْ}: حاضت فلم نسمعه من ثقة وقوله: {يعقوب} يرفع وينصب وكان حمزة ينوى به الخفض يريد: ومن وراء إسحاق بيعقوب، ولا يجوز الخفض إلّا بإظهار الباء. ويعقوب هاهنا ولد الولد والنصب في يعقوب بمنزلة قول الشاعر:
جئنى بمثل بنى بدر لقومهم ** أو مثل أسرة منظور بن سيّار

أو عامر بن طفيل في مركّبه ** أو حارثا يوم نادى القوم يا حار

وأنشدنى بعض بنى باهلة:
لو جيت بالخبز له ميسّرا ** والبيض مطبوخا معا والسّكّرا

لم يرضه ذلك حتى يسكرا

وقوله: {هؤُلاءِ بَناتِي} [78] قال بعضهم: بنات نفسه. ويقال: بنات قومه. وذلك جائز في العربيّة لأن اللّه عزّ وجل قال: {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ} وهو في بعض القراءة {وهو أب لهم} فهذا من ذلك.
وقوله: {يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخًا} [72] وفي قراءة عبد اللّه {شيخ} فذكروا أنها كانت بنت ثمان وتسعين سنة، وكان عليه السّلام أكبر منها بسنة. ويقال في قوله: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ} البركات: السعادة.
وقوله: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [74] ولم يقل: جادلنا. ومثله في الكلام لا يأتى إلّا بفعل ماض كقولك. فلمّا أتانى أتيته. وقد يجوز فلمّا أتانى أثب عليه كأنه قال: أقبلت أثب عليه. وجداله إيّاهم أنه حين ذهب عنه الخوف قال: ما خطبكم أيّها المرسلون، فلمّا أخبروه أنهم يريدون قوم لوط قال: أتهلكون قوما فيهم لوط قالوا: نحن أعلم بمن فيها.
وقوله: {أَوَّاهٌ} [75] دعّاء ويقال: هو الذي يتأوّه من الذنوب. فإذا كانت من يتأوّه من الذنوب فهى من أوّه له وهى لغة في بنى عامر أنشدنى أبو الجراح:
فأوّه من الذكرى إذا ما ذكرتها ** ومن بعد أرض بيننا وسماء

أوّه على فعّل يقول في يفعل: يتأوّه. ويجوز في الكلام لمن قال: أوّه مقصورا أن يقول في يتفعّل يتأوّى ولا يقولها بالهاء.
وقوله: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [80] يقول: إلى عشيرة.
وقوله: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} [81] قراءتنا من أسريت بنصب الألف وهمزها. وقراءة أهل المدينة {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} من سريت. وقوله: {بِقِطْعٍ} يقول: بظلمة من آخر الليل. وقوله: {إِلَّا امْرَأَتَكَ} منصوبة بالاستثناء: فأسر بأهلك إلا امرأتك. وقد كان الحسن يرفعها يعطفها على {أَحَدٌ} أي لا يلتفت منكم أحد إلّا امرأتك وليس في قراءة عبد اللّه: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} وقوله: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}.